لاجئ عائد من ألمانيا إلى سوريا: لم نتعوَّدْ في بلادنا على هذه الحياة.. ولا أريد لأولادي أن يعيشوا في هذه الأجواء
عبد القادر قربي
"كانت الانطباعات الأولى جيدة ورائعة عندما وصلنا إلى ألمانيا، انبهرنا بهذه الدولة الحضارية... الشرطة تعاملنا بكل لطف وهذا ما لم نتعودْ عليه في بلادنا.. وتفاجأنا بكثرة المتطوعين الذي سخروا وقتهم لخدمتنا".
لم يكن قرار مازن (41 سنة) في السفر إلى أوروبا نابعاً من يسر وسهولة الحياة التي كان يعيشها في بلده في الشمال الغربي لسوريا، ولم يكن قراره ذاك للسياحة والترفيه عن النفس والتعرف على ثقافات الآخرين، وإنما جاء قراره بعد انعدام وسائل الحياة، وبعد اعتقال دام سنة في أحد أسوأ فروع مخابرات النظام السوري "فرع فلسطين"، ومصادرة جميع أمواله وممتلكاته.
السبب الذي جعل مخابرات النظام السوري تعتقله هو عمله خلال الثورة في المجال الطبي؛ حيث يملك خبرة طبية من خلال دورات التمريض، فقد عمل في المشافي الميدانية بإعطاء الإسعافات الأولية للمصابين جراء القصف العشوائي الذي تعرضت له مدينته.
قبل الثورة كان مازن يعيش حياة رغيدة؛ فقد كان يعمل بتجارة الجلود من سوريا إلى لبنان ومن الصين إلى لبنان، وبعد اعتقاله فقد أمواله والبضائع التي كان يمكلها في بيروت، حيث لم يستطع الذهاب إلى هناك بسبب سيطرة حزب الله على المنطقة التي كان يعمل فيها.
يقول مازن: "بعد عام من الاعتقال كان الوضع المادي سيء للغاية ففكرت بالذهاب إلى أوروبا؛ لما سمعته عن الأوضاع المادية الجيدة هناك، وقررت أن أفتح طريقاً جديداً في حياتي؛ أملاً في الحصول على حياة أفضل لي ولأولادي".
أما عن الأسباب التفصيلية التي جعلته يسافر إلى ألمانيا قال مازن: "أولادي كانوا متفوقين في دراستهم، ولم يبق في سوريا أي مدارس أو تعليم، وكنت آمل أن يدخل أولادي المدارس والجامعات الأوروبية. وأوضاع والدتي الصحية كانت سيئة للغاية فأردت أن أذهب للمِّ شملها ومعالجتها في أوروبا. وحالتي النفسية كانت سيئة جداً بعد خروجي من المعتقل".
كانت طريقه إلى ألمانيا صعبة جداً، محفوفة بالمخاطر بدءاً من محاولاته العبور إلى تركيا، وليس انتهاءً بركوب البحر، والسير مسافات طويلة في غابات دول البلقان، ناهيك عن استغلال تجار البشر لحاجتهم إلى الوصول إلى أوروبا، وابتزازهم في كل محطة كانوا يصلون إليها.
رغم كل الانطباعات الجيدة وقت وصولهم إلى ألمانيا؛ كانت أيامهم الأولى في ألمانيا صعبة جداً لوجود آلاف اللاجئين من أفغانستان وباكستان والعراق ومصر والجزائر وإفريقيا وإيران الذين ينتظرون دورهم لتقييد أسمائهم وحصولهم على رقم من المؤسسة التي ستكفلهم جميعاً.
تنظم الحكومة الألمانية للاجئين نشاطات ودورات لتعلم اللغة الألمانية في محاولة حثيثة وجادة لدمجهم في المجتمع الألماني، والاستفادة من الموارد البشرية والخبرات التي وصلت إليها في كافة المجالات.
بعد إقامة مازن لمدة سنة كاملة في ألمانيا، لم يستطع التأقلم مع الواقع الذي تعوّد العيش فيه في بلده، فقرر ركوب البحر ثانية للوصول إلى عائلته التي ما زالت تنتظره في سوريا.
أسباب كثيرة جعلت مازن يرجع من "أرض الأحلام" إلى سوريا، يقول: "من أهم الأسباب التي جعلتني أتخذ قراري بالرجوع هي الاختلاف في الدين والثقافة؛ فالمجتمع الألماني يختلف عن المجتمع الذي نعيش فيه، ونحن لم نتعوَّدْ في بلادنا على هذه الحياة، ولا أريد لأولادي أن يعيشوا في هذه الأجواء".
ويضيف: "كان لدي تصوّر بأن أوروبا تختلف عنا بالدين والثقافة، وكنت أعزي نفسي بأنه من الممكن الحفاظ على ديننا وعاداتنا وتقاليدنا، ولكن عندما عشت هناك وجدت من الصعب جداً الحفاظ على أولادي في هذه البيئة المنفتحة".
"أحسست من خلال تعاملهم ونشاطات الاندماج التي يقيمونها بأنهم يستهدفون الشباب والأطفال الصغار من اللاجئين، ويقدمون لهم التسهيلات ويحاولون غسيل أدمغتم من أجل التخلي عن دينهم وعاداتهم وتقاليدهم بشكل مدروس؛ وهذا ما حصل مع كثير من اللاجئين هناك، ورأيناه بأعيننا".
في ختام حديثه أكد مازن أن الموت تحت القذائف في سوريا أفضل بالنسبة له من العيش في رغد أوروبا وحضارتها، وأهون من أن يرى أولاده يوماً من الأيام يعتنقون ديناً غير الدين الذي يعتنقه، ويحملون ثقافة غير الثقافة التي أخذها عن أجداده.
;
عبد القادر قربي
"كانت الانطباعات الأولى جيدة ورائعة عندما وصلنا إلى ألمانيا، انبهرنا بهذه الدولة الحضارية... الشرطة تعاملنا بكل لطف وهذا ما لم نتعودْ عليه في بلادنا.. وتفاجأنا بكثرة المتطوعين الذي سخروا وقتهم لخدمتنا".
لم يكن قرار مازن (41 سنة) في السفر إلى أوروبا نابعاً من يسر وسهولة الحياة التي كان يعيشها في بلده في الشمال الغربي لسوريا، ولم يكن قراره ذاك للسياحة والترفيه عن النفس والتعرف على ثقافات الآخرين، وإنما جاء قراره بعد انعدام وسائل الحياة، وبعد اعتقال دام سنة في أحد أسوأ فروع مخابرات النظام السوري "فرع فلسطين"، ومصادرة جميع أمواله وممتلكاته.
السبب الذي جعل مخابرات النظام السوري تعتقله هو عمله خلال الثورة في المجال الطبي؛ حيث يملك خبرة طبية من خلال دورات التمريض، فقد عمل في المشافي الميدانية بإعطاء الإسعافات الأولية للمصابين جراء القصف العشوائي الذي تعرضت له مدينته.
قبل الثورة كان مازن يعيش حياة رغيدة؛ فقد كان يعمل بتجارة الجلود من سوريا إلى لبنان ومن الصين إلى لبنان، وبعد اعتقاله فقد أمواله والبضائع التي كان يمكلها في بيروت، حيث لم يستطع الذهاب إلى هناك بسبب سيطرة حزب الله على المنطقة التي كان يعمل فيها.
يقول مازن: "بعد عام من الاعتقال كان الوضع المادي سيء للغاية ففكرت بالذهاب إلى أوروبا؛ لما سمعته عن الأوضاع المادية الجيدة هناك، وقررت أن أفتح طريقاً جديداً في حياتي؛ أملاً في الحصول على حياة أفضل لي ولأولادي".
أما عن الأسباب التفصيلية التي جعلته يسافر إلى ألمانيا قال مازن: "أولادي كانوا متفوقين في دراستهم، ولم يبق في سوريا أي مدارس أو تعليم، وكنت آمل أن يدخل أولادي المدارس والجامعات الأوروبية. وأوضاع والدتي الصحية كانت سيئة للغاية فأردت أن أذهب للمِّ شملها ومعالجتها في أوروبا. وحالتي النفسية كانت سيئة جداً بعد خروجي من المعتقل".
كانت طريقه إلى ألمانيا صعبة جداً، محفوفة بالمخاطر بدءاً من محاولاته العبور إلى تركيا، وليس انتهاءً بركوب البحر، والسير مسافات طويلة في غابات دول البلقان، ناهيك عن استغلال تجار البشر لحاجتهم إلى الوصول إلى أوروبا، وابتزازهم في كل محطة كانوا يصلون إليها.
رغم كل الانطباعات الجيدة وقت وصولهم إلى ألمانيا؛ كانت أيامهم الأولى في ألمانيا صعبة جداً لوجود آلاف اللاجئين من أفغانستان وباكستان والعراق ومصر والجزائر وإفريقيا وإيران الذين ينتظرون دورهم لتقييد أسمائهم وحصولهم على رقم من المؤسسة التي ستكفلهم جميعاً.
تنظم الحكومة الألمانية للاجئين نشاطات ودورات لتعلم اللغة الألمانية في محاولة حثيثة وجادة لدمجهم في المجتمع الألماني، والاستفادة من الموارد البشرية والخبرات التي وصلت إليها في كافة المجالات.
بعد إقامة مازن لمدة سنة كاملة في ألمانيا، لم يستطع التأقلم مع الواقع الذي تعوّد العيش فيه في بلده، فقرر ركوب البحر ثانية للوصول إلى عائلته التي ما زالت تنتظره في سوريا.
أسباب كثيرة جعلت مازن يرجع من "أرض الأحلام" إلى سوريا، يقول: "من أهم الأسباب التي جعلتني أتخذ قراري بالرجوع هي الاختلاف في الدين والثقافة؛ فالمجتمع الألماني يختلف عن المجتمع الذي نعيش فيه، ونحن لم نتعوَّدْ في بلادنا على هذه الحياة، ولا أريد لأولادي أن يعيشوا في هذه الأجواء".
ويضيف: "كان لدي تصوّر بأن أوروبا تختلف عنا بالدين والثقافة، وكنت أعزي نفسي بأنه من الممكن الحفاظ على ديننا وعاداتنا وتقاليدنا، ولكن عندما عشت هناك وجدت من الصعب جداً الحفاظ على أولادي في هذه البيئة المنفتحة".
"أحسست من خلال تعاملهم ونشاطات الاندماج التي يقيمونها بأنهم يستهدفون الشباب والأطفال الصغار من اللاجئين، ويقدمون لهم التسهيلات ويحاولون غسيل أدمغتم من أجل التخلي عن دينهم وعاداتهم وتقاليدهم بشكل مدروس؛ وهذا ما حصل مع كثير من اللاجئين هناك، ورأيناه بأعيننا".
في ختام حديثه أكد مازن أن الموت تحت القذائف في سوريا أفضل بالنسبة له من العيش في رغد أوروبا وحضارتها، وأهون من أن يرى أولاده يوماً من الأيام يعتنقون ديناً غير الدين الذي يعتنقه، ويحملون ثقافة غير الثقافة التي أخذها عن أجداده.
;
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق